آداب السلام وأحكامه
الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على النبي المصطفى و على آله و صحبه و من لسنته اتبع و اقتفى و بعد :
موضوع بحثي هو آداب السلام و أحكامه الشرعية ، فأقول و بالله التوفيق :
1.تعريف السلام :
لغة : الإستسلام . والسلام : اسم من التسليم . والسلام : اسم من أسماء الله تعالى ، والسلام : البراءة من العيوب في قول أمية . وقرئ ( ورجلا سلما)الزمر 29.
و( التسليم) بذل الرضا بالحكم والتسليم أيضا السلام ، وأسلم أمره إلى الله أي سلم ، وأسلم دخل في ( السلم) بفتحتين وهو الاستسلام و أسلم من الإسلام وأسلمه خذله. و ( التسليم) التصالح . و ( المسالمة)المصالحة.
شرعا :السلام أو إلقاء السلام هو تحية الإسلام ، و هي التحية التي علمها الله لأبينا آدم عليه السلام بعدما خلقه ، و يقولها المسلمون لبعضهم عند التلاقي أو الافتراق ، و هي لأهل الدنيا عموما و في الآخرة لأهل الجنة خاصة .جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( خلق الله آدم طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع لما يحيونك فإنها تحيتك و تحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك و رحمة الله ) . متفق عليه .
2.ألفاظه :
صيغ الإلقاء :
-السلام عليكم ... أقل و أقصر صيغة للسلام .-السلام عليكم و رحمة الله ....... أفضل من الأولى أجرا بعشر حسنات .-السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...... أفضل من الثانية بعشر حسنات .هذا التفضيل في الأجر ورد في حديث عمران بن حصين عند النسائي و الترمذي و حسنه ، كذلك أورده البخاري في الأدب المفرد .و هناك صيغة نهى عنها النبي صلى الله عليه و سلم و هي : عليك السلام .قال أبو جرى الجهني : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : عليك السلام يا رسول الله فقال : ( لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى ) .حديث إسناده صحيح ، رواه أبوداود و الترمذي و أحمد .قال ابن القيم : [ فقد كره النبي صلى الله عليه و سلم أن يحي بتحية الأموات و من كراهته لذلك لم يرد على المسلم بها ] ، و وضح للمسلم بها سبب عدم رده .
صيغ رد السلام :
هي نفسها صيغ الإلقاء غير تقديم عليكم على لفظ السلام ، و في الأجر تقاس على حديث الإلقاء فبكل زيادة يزيد أجر رد السلام ، غير أنه يمكن الاقتصار في الرد على : و عليكم ، و قد أقر هذا الشافعية في أحد الأقوال ، كذلك فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما رد على المسيء صلاته السلام قال : ( و عليك فارجع فصل فإنك لم تصل ) رواه البخاري و مسلم . ففي هذا الحديث ما يدل على جواز الاكتفاء بـ : و عليك أو و عليكم .
· مسألة إضافة الواو في الرد :
مسألة إضافة الواو قبل الرد اختلف فيها ، و قد ذكر الخلاف ابن القيم في كتاب زاد المعاد قال رحمه الله : [ .. قالت طائفة منهم المتولي و غيره لا يكون جوابا – يقصد حذف الواو في الرد - و لا يسقط به فرض الرد لأنه مخالف لسنة الرد ، و لأنه لا يعلم هل هو رد أو ابتداء تحية فإن صورته صالحة لهما .. ].أما من خالف في هذا فقد نقله ابن القيم عن الشافعي بقوله : [ و ذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك رد صحيح كما لو كان بالواو و نص عليه الشافعي رحمه الله في كتابه الكبير و احتج لهذا القول بقوله تعالى : << هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمينَ * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام >> الذاريات 24-25 ، أي سلام عليكم لا بد من هذا و لكن حسن الحذف في الرد لأجل الحذف في الابتداء – حذف عليكم - . و قد احتجوا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( خلق الله آدم طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع لما يحيونك فإنها تحيتك و تحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك و رحمة الله ) . متفق عليه ] .و قد نقل الأحوذي في التحفة كلاما قيما للإمام النووي رحمه الله في هذا الشأن ، قال :[ وَأَمَّا صِفَةُ الرَّدِّ فَالْأَفْضَلُ وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَأْتِي بِالْوَاوِ فَلَوْ حَذَفَهَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ , وَلَوْ اِقْتَصَرَ عَلَى وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ عَلَى عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ , وَلَوْ اِقْتَصَرَ عَلَى عَلَيْكُمْ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ , وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا – يقصد الشافعية - , قَالُوا وَإِذَا قَالَ الْمُبْتَدِئُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ الْمُجِيبُ مِثْلَهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا وَأَجْزَأَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { قَالُوا سَلَامًا } قَالَ : سَلَامٌ وَلَكِنْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَفْضَلُ ] .
·ما الأفضل إلقاء السلام بعليكم أم بعليك ؟
جواب هذا يكون بحكمة جليلة بينها الإمام النووي رحمه الله فيما نقله عنه الأحوذي في التحفة : [ وَأَقَلُّ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلَكَيْهِ , وَأَكْمَلُ مِنْهُ أَنْ يَزِيدَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَيْضًا وَبَرَكَاتُهُ ] . رحم الله الإمام النووي ، فقد لفت النظر هنا لمسألة مهمة و هي تناول الملكين في الرد و كذا الإلقاء ، عكس ما يقع فيه كثير من الناس .
3.حكم إلقاء السلام و رده :
ذكر الإمام النووي نقل ابن عبد البر و غيره إجماع المسلمين على أن إلقاء السلام سنة و رده فرض .و قد أجاب مركز الفتوى بموقع إسلام ويب على شبكة المعلومات على سؤال هذا الحكم كما يلي : [ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإلقاء السلام سنة عند جمهور العلماء، وهو سنة عين على المنفرد، وسنة كفاية على الجماعة، والأفضل السلام من جميعهم لتحصيل الأجر، وأما رد السلام ففرض بالإجماع.
قال النووي رحمه الله في المجموع: وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد، فالجواب: فرض عين في حقه، وإن كان على جميع فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحد منهم أجزأ عنهم، وسقط الحرج عن جميعهم، وإن أجابوا كلهم كانوا كلهم مؤدين للفرض، سواء ردوا معاً أو متعاقبين، فلو لم يجبه أحد منهم أثموا كلهم، ولو رد غير الذين سلم عليهم لم يسقط الفرض والحرج عن الباقين.
وقال أيضاً: قال أصحابنا: يشترط في ابتداء السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاستماع، وينبغي أن يرفع صوته رفعاً يسمعه المسلَّم عليهم، والمردود عليهم سماعا محققاً، ولا يزيد في رفعه على ذلك، فإن شك في سماعهم زاد واستظهر. انتهى
وقد دل على استحباب إلقاء السلام قوله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم. ودل على وجود الرد قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا النساء:86.
فأمر بالرد بمثلها أو بأحسن منها، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب ما لم يوجد صارف إلى الندب ولا صارف هنا.
ولا شك أن ابتداء السلام مأمور به كذلك، لكن حمل الجمهور الأمر فيه للندب، وأخذ الحنفية بظاهره فأوجبوا إلقاء السلام، وهو قول للمالكية والمشهور عنهم موافقتهم للجمهور. ] رابط الفتوى .
4. من آداب الرسول صلى الله عليه و سلم في السلام :
· كان صلى الله عليه و سلم يسلم على كل الناس صغيرهم و كبيرهم صبيهم و رجلهم .· كان صلى الله عليه و سلم يسلم على القوم عند مجيئه لهم و كذلك عند الانصراف عنهم .· أمر صلى الله عليه و سلم الداخل للمسجد أن يبدأ بركعتين قبل إلقاء السلام ، فالأولى تحية المسجد و هي حق الله تعالى و الثانية تحية أهل المسجد ، و حق الله أحق بالتقديم .· أمر صلى الله عليه و سلم بالسلام قبل السؤال ، فقد قال : ( السلام قبل السؤال فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ) رواه ابن عدي في الكامل و هو حسن بشاهده .· كان صلى الله عليه و سلم يسلم بنفسه على من يواجهه ، و يحمّل السلام لمن غاب عنه ، و يتحمل السلام لمن يبلغه إليه .· كان من هديه صلى الله عليه و سلم انتهاء السلام إلى : و بركاته .· كان صلى الله عليه و سلم يعيد السلام ثلاثا ، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع ، و إلا رجع .· كان صلى الله عليه و سلم يبدأ من لقيه بالسلام ، و إذا سلم عليه أحد رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور و دون تأخير إلا لعذر كحال الصلاة أو قضاء الحاجة .· كان صلى الله عليه و سلم يسمع المسَّلِم رده عليه و لم يرد بيده و لا رأسه و لا إصبعه إلا في الصلاة .· كان صلى الله عليه و سلم يرد على أهل الكتاب بقوله : وعليكم فحسب .هذا وما أصبت فيه فمن الله وحده و ما أخطأت فيه فمن نفسي و من الشيطان ، و أستغفر الله من كل ذنب و أتوب إليه .
و صلى الله على نبينا محمد معلم الناس الخير و على آله و صحبه أجمعين .
لاتحرموني من دعائكم