د. عائض القرني
محمد صلى الله عليه وسلم اسم على مسمّى، علم على رمز، ووصف على إمام، جمع
المحامد، وحاز المكارم، واستولى على القيم، وتفرّد بالمثل، وتميّز بالريادة، محمود
عند الله لأنه رسوله المعصوم، ونبيّه الخاتم، وعبده الصالح، وصفوته من خلقه،
وخليله من أهل الأرض، ومحمود عند الناس لأنه قريب من القلوب، حبيب
إلى النفوس، رحمة مهداة، ونعمة مسداة، مبارك أينما كان، محفوف بالعناية أينما
وجد، محاط بالتقدير أينما حلّ وارتحل، حُمدت طبائعه لأنها هُذّبت بالوحي،
وشرفت طباعه لأنها صقلت بالنبوة، فالله محمود ورسوله محمد:
[b]وشقّ له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمود وهذا محمّد
واسمه أحمد، بشّر بذلك عيسى قومه، واسمه العاقب والحاشر والماحي،
وهو خاتم الرسل وخيرة الأنبياء، وخطيبهم إذا وفدوا، وإمامهم إذا وردوا
.
صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة
والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، حامل لواء العزّ في بني
لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، أشرف من ذُكر في الفؤادِ،
وصفوة الحواضر والبوادي، وأجلّ مصلح وهادِ، جليل القدر، مشروح الصدر،
مرفوع الذكر، رشيد الأمر، القائم بالشكر، المحفوظ بالنصر، البريء من الوزر،
المبارك في كل عصر، المعروف في كل مصر، في همة الدهر، وَجود البحر،
وسخاء القطر، صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، ما نجمٌ بدا، وطائر شدا،
ونسيم غدا، ومسافر حدا.
واختار الله له من بقاع العالم ومن بين أصقاعها أحبّ البلاد إليه سبحانه، البلد
الحرام، والتربة الطاهرة، والأرض المقدسة، والوطن المحاط بالعناية المحروس
بالرعاية, فولد صلى الله عليه وسلم في مكة حيث صلى الأنبياء، وتهجّد المرسلون،
وهبط الوحي، وطلع النور، وأشرقت الرسالة، وسطعت النبوة، وانبلج فجر البعثة،
حيث البيت العتيق، والعهد الوثيق، والحب العميق، فمكة مسقط رأس المعصوم،
وفيها مهد طفولته، وملاعب صباه، ومعاهد شبابه، ومراتع فتوّته، ورياض أنسه.
بلادي إذ نيطت عليّ تمائمي وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
ففيها رضع لبن الطهر، ورشف ماء النبل، وحسا ينبوع الفضيلة، وفيها درج،
ودخل وخرج، وطلع وولج، فهي وطنه الأول، بأبي هو وأمي، وهي بلدته العزيزة
إلى فؤاده، الحبيبة إلى قلبه، الأثيرة إلى روحه، بنفسي هو.
وحبّب أوطان الرجال إليهم معاهد قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم عهود الصبا منها فحنّوا لذلكا