هل جسد الإنسان ، والمرأة خاصة ، معيب بذاته ؟
ثَمّ نصوص كثيرة, في الكتاب والسنة ؛ تأمر بالستر والتصوّن والعفاف ، وتعدّ التّعري من إلقاء الشيطان, وفتنته للجنسين معاً يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ..)(الأعراف: من الآية27)
وقد خاطب الذكور نصاً: (يَا بَنِي آدَمَ) مما يقتضي دخولهم دخولاً أوّليّاً في الخطاب ، والمرأة داخلة فيه لعموم التكليف ، ولقوله : (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) .
وجاءت نصوص خاصّة في ستر المرأة (قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ)(الأحزاب: من الآية59) ، (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)(النور: من الآية31) وفي الصحيحين حديث أم عطية وفيه : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ؛ قَالَ « لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا ».
ومع الحديث المستفيض المتكرر, عن هذا المعنى الشريف, التبس الأمر عند بعض الناس؛ فظنوا أن السّتر معناه إخفاء شيء معيب عن عيون الآخرين ، ودَاخَلَهُم شيءٌ من الازدراء أو التحقير أو الاستخفاف ، حتى صارت بيئات إسلامية تتوارث تسمية العورة بـ " العيب " ، ويلقنونها للصغار ، فيصرخون بالطفل " غط عيبك ! "
والذي يظهر أن هذا مما ينبغي استدراكه وتصحيحه ، فالعيب ليس في أصل الخلقة الربانية (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(التين:4) ، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )(الملك: من الآية3) ، (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)(السجدة: من الآية7) ..
وإنما العيب في التكشّف ذاته ، وفي التعرّي حيث أمر الله بالستر ، وفي التنصل والتفصّي من حدود الله ، وليس في ذات الأعضاء الإنسانية .
إن النصوص الشرعية صريحة في الإشادة بخلق الإنسان ، الذكر والأنثى سواء ، وإن حكمة الخالق تتجلى في جمال الخلق وإبداعه وتناسقه وحسن قوامه وكمال اعتداله .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار الآيات 8،7،6)قال ابن عباس :جعلك معتدل القامة .
وقال بعض المفسرين: فسوَّى أعضاءك بحسب الحاجة وعدلها في المماثلة لا تفضل يد على يد ، ولا رجل على رجل .وقيل: سواك إنساناً كريماً وعدل بك عن أن يجعلك حيواناً بهيماً .
فهذه الخلقة الجميلة الحسنة المبدعة ، فيها الإعجاز والإتقان, ويكفي ثناء الخالق عليها؛ لنعلم كم هي حسنة وبديعة ، وحين يقع في نفوسنا سوى ذلك؛ فهو راجع إلى مفهوم ثقافي موروث, يستهجن ويستقبح؛ فيعكس ذلك على شعور الإنسان وذوقه تجاه الخلقة .
وقال -عز وجل- (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)(غافر: من الآية64) قال مقاتل: خلقكم فأحسن خلقكم.
وكل إنسان هو جميل من وجه ما ، والمرأة خاصة فيها الجمال والجاذبية والإغراء ، وهذا سرّ صونها وحفظها وسترها عن العيون المتطفلة ، وعن فضول النظر أو الاستمتاع .
إن هذا المعنى على ظهوره وعفويته يحتاج إلى تذكير ، لأن الحديث المجرد عن أحكام العورة ، والتفصيل في بيانها كما يفعله الفقيه ، وكما صنف فيه تآليفات خاصة قديمة وجديدة ، منها (النظر في أحكام النظر) لابن القطان ، إلى رسائل علمية عديدة ومفيدة ، معنية بجانب الأحكام والحلال والحرام ، وهو معنى حسن ، بيد أنه يحتاج إلى تتميم وتكميل في بيان الأسرار والمعاني والإرشادات الربانية ، فذلك يصنع الفهم الصحيح للجسد ، والتوافق بين الجانب المادي فيه والجانب النفسي والشعوري ، بل والعقلي ، وهو الذي ينتج اليقين الصادق بالخالق العظيم البديع البارئ المصوّر الحكيم .
لقد جربت في ذات نفسي, وأدركت فيمن حولي, أن الإيمان بالله واستحضار حكمته وعظمته في خلق الأنثى (والذكر كذلك) على هذه الصفة والهيئة في الأعضاء الظاهرة والباطنة ، هو الذي يحقق الانسجام والاقتناع, والثقة والتسليم, وتفهّم الخلقة ومقاصدها , دون امتعاض أو انزعاج ، وإذا انفصل الإنسان عن هذا المعنى الرباني؛ فلربما تسلل إلى نفسه قدر من الاستقباح أو الكره, أو التبغيض, أو الشك في الحكمة ، وهو ما يفضي إلى مضاهاة الجاهلية الأولى في النفور من الأنثى, والتبرّم بميلادها, كونها عندهم رمزاً للعيب والعار .
لقد ذكر الله تعالى مريم العذراء في التنزيل قرابة 30 مرّة.
بينما اسم سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- لم يذكر إلا (4 مرات) !
على أنه –صلى الله عليه وسلم- ذكر باسم النبي والرسول ونحوها .
والعجب أن يأتي القرآن بالمثل المضروب بمريم (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)(التحريم: من الآية12) .
فيذكر الله تعالى مريم باسمها, متحدثاً عن إحصانها لفرجها ، وهو ما يعني حفظها لجسدها كله ، ولعقلها وقلبها, مما لا يرضي الله ، ومكافأتها بأن يبعث جبريل, لينفخ في جيب درعها (وهي فتحة الصدر) فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى ابن مريم-عليه السلام-، الرسول الكريم والسيد العظيم.كما جاء عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج.
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون:6) إن استقذار الفطرة أو الجسد أو الدوافع الغريزية ؛ هو نوع من المرض النفسي والإحساس بالكبت ، فتبارك الله العلي الأعلى ،(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) ).
............................................................ ..........
بقلم الأستاذ الدكتور سلمان بن فهد العودة
ثَمّ نصوص كثيرة, في الكتاب والسنة ؛ تأمر بالستر والتصوّن والعفاف ، وتعدّ التّعري من إلقاء الشيطان, وفتنته للجنسين معاً يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ..)(الأعراف: من الآية27)
وقد خاطب الذكور نصاً: (يَا بَنِي آدَمَ) مما يقتضي دخولهم دخولاً أوّليّاً في الخطاب ، والمرأة داخلة فيه لعموم التكليف ، ولقوله : (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) .
وجاءت نصوص خاصّة في ستر المرأة (قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ)(الأحزاب: من الآية59) ، (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)(النور: من الآية31) وفي الصحيحين حديث أم عطية وفيه : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ؛ قَالَ « لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا ».
ومع الحديث المستفيض المتكرر, عن هذا المعنى الشريف, التبس الأمر عند بعض الناس؛ فظنوا أن السّتر معناه إخفاء شيء معيب عن عيون الآخرين ، ودَاخَلَهُم شيءٌ من الازدراء أو التحقير أو الاستخفاف ، حتى صارت بيئات إسلامية تتوارث تسمية العورة بـ " العيب " ، ويلقنونها للصغار ، فيصرخون بالطفل " غط عيبك ! "
والذي يظهر أن هذا مما ينبغي استدراكه وتصحيحه ، فالعيب ليس في أصل الخلقة الربانية (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(التين:4) ، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )(الملك: من الآية3) ، (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)(السجدة: من الآية7) ..
وإنما العيب في التكشّف ذاته ، وفي التعرّي حيث أمر الله بالستر ، وفي التنصل والتفصّي من حدود الله ، وليس في ذات الأعضاء الإنسانية .
إن النصوص الشرعية صريحة في الإشادة بخلق الإنسان ، الذكر والأنثى سواء ، وإن حكمة الخالق تتجلى في جمال الخلق وإبداعه وتناسقه وحسن قوامه وكمال اعتداله .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار الآيات 8،7،6)قال ابن عباس :جعلك معتدل القامة .
وقال بعض المفسرين: فسوَّى أعضاءك بحسب الحاجة وعدلها في المماثلة لا تفضل يد على يد ، ولا رجل على رجل .وقيل: سواك إنساناً كريماً وعدل بك عن أن يجعلك حيواناً بهيماً .
فهذه الخلقة الجميلة الحسنة المبدعة ، فيها الإعجاز والإتقان, ويكفي ثناء الخالق عليها؛ لنعلم كم هي حسنة وبديعة ، وحين يقع في نفوسنا سوى ذلك؛ فهو راجع إلى مفهوم ثقافي موروث, يستهجن ويستقبح؛ فيعكس ذلك على شعور الإنسان وذوقه تجاه الخلقة .
وقال -عز وجل- (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)(غافر: من الآية64) قال مقاتل: خلقكم فأحسن خلقكم.
وكل إنسان هو جميل من وجه ما ، والمرأة خاصة فيها الجمال والجاذبية والإغراء ، وهذا سرّ صونها وحفظها وسترها عن العيون المتطفلة ، وعن فضول النظر أو الاستمتاع .
إن هذا المعنى على ظهوره وعفويته يحتاج إلى تذكير ، لأن الحديث المجرد عن أحكام العورة ، والتفصيل في بيانها كما يفعله الفقيه ، وكما صنف فيه تآليفات خاصة قديمة وجديدة ، منها (النظر في أحكام النظر) لابن القطان ، إلى رسائل علمية عديدة ومفيدة ، معنية بجانب الأحكام والحلال والحرام ، وهو معنى حسن ، بيد أنه يحتاج إلى تتميم وتكميل في بيان الأسرار والمعاني والإرشادات الربانية ، فذلك يصنع الفهم الصحيح للجسد ، والتوافق بين الجانب المادي فيه والجانب النفسي والشعوري ، بل والعقلي ، وهو الذي ينتج اليقين الصادق بالخالق العظيم البديع البارئ المصوّر الحكيم .
لقد جربت في ذات نفسي, وأدركت فيمن حولي, أن الإيمان بالله واستحضار حكمته وعظمته في خلق الأنثى (والذكر كذلك) على هذه الصفة والهيئة في الأعضاء الظاهرة والباطنة ، هو الذي يحقق الانسجام والاقتناع, والثقة والتسليم, وتفهّم الخلقة ومقاصدها , دون امتعاض أو انزعاج ، وإذا انفصل الإنسان عن هذا المعنى الرباني؛ فلربما تسلل إلى نفسه قدر من الاستقباح أو الكره, أو التبغيض, أو الشك في الحكمة ، وهو ما يفضي إلى مضاهاة الجاهلية الأولى في النفور من الأنثى, والتبرّم بميلادها, كونها عندهم رمزاً للعيب والعار .
لقد ذكر الله تعالى مريم العذراء في التنزيل قرابة 30 مرّة.
بينما اسم سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- لم يذكر إلا (4 مرات) !
على أنه –صلى الله عليه وسلم- ذكر باسم النبي والرسول ونحوها .
والعجب أن يأتي القرآن بالمثل المضروب بمريم (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)(التحريم: من الآية12) .
فيذكر الله تعالى مريم باسمها, متحدثاً عن إحصانها لفرجها ، وهو ما يعني حفظها لجسدها كله ، ولعقلها وقلبها, مما لا يرضي الله ، ومكافأتها بأن يبعث جبريل, لينفخ في جيب درعها (وهي فتحة الصدر) فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى ابن مريم-عليه السلام-، الرسول الكريم والسيد العظيم.كما جاء عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن جريج.
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون:6) إن استقذار الفطرة أو الجسد أو الدوافع الغريزية ؛ هو نوع من المرض النفسي والإحساس بالكبت ، فتبارك الله العلي الأعلى ،(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) ).
............................................................ ..........
بقلم الأستاذ الدكتور سلمان بن فهد العودة